حوار: محمد عمرو
سفيرة جمعية حواس في أستراليا الشاعرة سوزان عون،
لها أكثر من نشاط في عالمها الاغترابي، فهي سفيرة اتحاد النساء العرب، ومستشارة
رابطة إبداع العالم العربي والمهجر، وعضو في جمعية إنماء الشعر العربي في
أستراليا.
تقول: لولا كلمة الشاعر المسموعة والمقروءة واحترامها، لما سمعنا بظلم السياسيين
ولا عرفنا ببطشهم، ولا قيمة لأي حضارة بدون الشعراء والفنانين، فالشعر هو اللغة
الروحية الإنسانية الأممية الخالدة التي يتركها البشر قبل أن يرحلوا.
حلم سفيرتنا أن تكتب الشعر باللغة الإنكليزية،
وأنها تسعى لتحقيقه، وتجهّز حالياً لحفل توقيع مجموعتها الشعرية الجديدة الثالثة،
(جدائلٌ على أكتاف الحب).
تعتبر أنّ المنبر له ناسه وروّاده، وأن الجمهور قادر أن يكشف المدعي والسارق
والناسخ من الشاعر الحقيقي.
تدعو المرأة إلى التعلم والسعي نحو حياة أفضل،
وإلى حصولها على كامل حقوقها التي شرّعها الله وجاءت بها الأديان السماوية.
منبر حواس استضاف سفيرة جمعية حواس في أستراليا الشاعرة
سوزان عون وكان لنا معها هذا الحوار.
س: هل لكِ أن تعرّفي أعضاء حواس على سفيرتهم في أستراليا؟
ج: سوزان عون، الأصل من جنوب لبنان، من الكفور
قضاء النبطية، ترك أجدادي الجنوب وسكنوا بيروت، فولدت ونشأت في بيروت الجميلة
والتي لا زلت أذكر بعضاً من ملامحها قبل الحرب اللبنانية، كحلم يلوحُ في البال.
في طفولتي، سافرتُ مع أهلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بقيت فيها مدة
طويلة.
عدت بعدها إلى لبنان، حيثُ شَهدتُ معظم الحروب، آخرها حرب ٢٠٠٦.
في لبنان لم أهدأ، حيث درست دراسة حوزوية، وشاركت
في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وخضت مجال التدريس لسنوات طويلة.
تركت لبنان مجدداً بعد أن دمّرت الحروب آمالنا في الاستقرار والعيش بسلام، فهاجرت
مع أولادي إلى أستراليا للالتحاق بأهلي، سنة ٢٠٠٨.
في أستراليا، رفضتُ فكرة الاستسلام لظروف الحياة، فقررتُ الدراسة مجددا، فحصلت على
عدة شهادات أكاديمية متنوعة في أستراليا، ولا زلت ليومنا هذا، أنهل من معين العلم
الرقراق الذي لا ينضب.
س: كيف بدأتِ مسيرتكِ مع الشعر؟
ج: أنا لم أبدأ بالشعر، الشعر هو من طرق بابي وفكري وسكن في دواتي.
بدأتُ أكتبُ في سنٍ مبكرة، فامتلأت دفاتري بقصصٍ وقصائد، ومذكراتي بأحلام وأمنيات.
عرفتُ منذ المراهقة، بأنني أمتلك سراً كلما حملت
القلم، لأنه كان يبدأ بالجريان برشاقة على الورق، يخطّ ما أشعر به بدون توقف.
موهبة الكتابة لديّ مِنحة ربّانيّة، اهتممتُ بها بالاطلاع والقراءة والكتابة
والتدوين.
الشعر هو سوزان وسوزان هي الشعر، فهو حياتي وأنفاسي، فهو نبض الحياة وأنفاس
الحضارات، والحضارات بلا شعراء وفنانين، لا قيمة لها، فالكتابة سمو وارتقاء، وحديث
الروح للروح. واستحضار الماضي بلسان الحاضر، فالشعر هو اللغة الروحية الإنسانية
الأممية الخالدة التي يتركها البشر قبل أن يرحلوا وتظل أبد الدهر فكيف سيكون إذن
في حياتي أنا.
س: إلى أي مدرسة شعرية تنتمين؟
ج: لا أستطيع أن أصنف كتاباتي بمدرسة شعرية
سابقة، فأنا أقول بأنه يجب علينا الابتكار وعدم تقليد الغير، هذا رأيي.
لذا أنا أنتمي إلى مدرسة الكلمة الراقية والبحر الصافي، أنتمي للقصيدة التي تستطيع
أن تكتب سوزان، وتُخرج فكرتها للعلن.
أنتمي إلى مدرسة الإنسانية التي تحدّثت عنها كل الكتب السماويّة، أنا من أنصار
القصيدة النثريّة.
وأتمنى على الذين يقفون ضد قصيدة النثر أن يستفيدوا من الدرس المجاني الذي قدمه
لنا الزمن، عندما شهر حرّاس القصيدة العمودية أصواتهم ضد قصيدة التفعيلة والشعر
الحر فتلاشى ضجيج رفضهم وبقيت قصيدة التفعيلة والشعر الحر.
س: كيف تعيشين غربتكِ اليوم وكيف تنظرين إلى
الوطن؟
ج: أعيشُ ككل مغترب، وجعه يزداد كلما مرّت
الأيام، وطال زمن السفر.
فالأدباءُ والشعراءُ والكتّابُ هم الذين قادوا ركب الحضارة ورفعوا مشاعل التنوير،
ولأن الوطن لا يفارق القلب ولا يغادر الخيال فهو الملهم الأول والأخير.
خصوصاٌ عندما يكون الوطن معذّباً ويتألم، هنا تثور قريحة الشاعر، يفتش عن كلمة
تُوصل للوطن تضامنه ومساندته، فيخطّ لأرضه ولشعبه أجمل ما يقدر عليه، ليقول لتراب
الوطن، بأنّه الوفي وبأنه لن ينساه أبدا.
ولولا كلمة الشاعر المسموعة والمقروءة واحترامها، لما سمعنا بظلم السياسيين ولا
عرفنا ببطشهم.
ومن طبيعة الشعب العربي بأنه لا زال يستأنس بالشعر وبالشعراء وبالمثقفين ويراهم
شعلاً من المحبة تطفئ نار الخائنين وتفضح أعمال الكاذبين، فيساند الشعراء بحبه لهم
وإبداء الاحترام والتقدير.
س: هل أجواء الغربة صالحة لظهور شعراء؟
ج: الكتابة تجربة ذاتية وحالة شعورية تصيب الكاتب
وتتفاعل معه أو يتفاعل معها.
الشعر يأتي من داخل الشاعر، وفي كل الظروف، فالشعر الأجمل، الشعر الذي تعصره
الغربة، ويكتبه الوجع ويؤرخه الشوق والحنين.
لا أنكر بأن الطبيعة الغنّاء التي تتحلى بها أستراليا، محرّضة على الكتابة أيضا.
النشاطات الثقافية والأمسيات الشعرية في سيدني، لا زالت ترفد دمي بالمعرفة والشعور
بالانتماء للوطن وللغة العربية.
وتسعى الجالية اللبنانية والعراقية متحدين، إلى إيجاد مناسبات عديدة للاستفادة من
وجود الشعراء، فيجتمعون على طبق واحد من ذهب وهو الحرف، وزادهم القصيدة.
س: هل ابتعادكِ عن الوطن له تأثير على قصائدكِ؟
ج: ابتعادي عن أرضي ووطني، جعلني أناجيه في معظم
ما كتبت، وربما أجمل ما كتبت هو ما كتبته للوطن.
فكتبت للوطن قصيدتي ((المسرح باهت))، وهي القصيدة التي تلوتُها في المقابلة التي
أجراها معي رئيس جمعية حواس الأستاذ عبد الحليم حمود على تلفزيون الكوثر،
والمقابلة مسجلة وموجودة على اليوتيوب.
المسرحُ باهتٌ، كأنهُ يتلو بياناً حربياً،
ويأبى إلا انهمارَ الشموعِ
غريبٌ كيفَ يحفظُ دوري.
أجتمعُ معهُ في غرفةِ الكواليس،
لأشربَ من وجعي ألفَ كأسٍ وصرخة.
حتى هذا التاريخِ، أعدمتُ ألفَ أقحوانة،
فداسني الغيابُ كتويجٍ رمتهُ الريح.
في هذا السكونِ، زهراتٌ بِلا عطر،
يتيمةٌ قصائدي، غرباءُ في منفى،
كأنا وعطري ووطني.
قسمتي أنْ أقترنَ بالوحيِ ولا أراه،
والقصةُ التي بداخلي عادتْ لقفصِها الخالي،
تلوكُ الوجعَ، فتزأَرُ قوّةً.
س: ماذا يعني لكِ الحب وأين هو في شعركِ؟
ج: سؤال جميل، الحب موجود في كل ما أكتب، حتى في
النص الحزين ترى جمل الحب تناجي الحلم، وتسأل عن الأمان والسلام والحرية. الحب، أن
نعيش السلام مع أرواحنا وأنفسنا ومع من حولنا، الحب شيء رائع إن عشناه بصدق ووفاء
وإخلاص وطهارة.
تثيرُ جدلاً كلّما ابتعدتَ محترفٌ يَتعمّدُ
الاختباءَ
خيالكَ مُنْزَوٍ في ابتسامةٍ حَررها من قيد العدم
واسبغْ عليها نعمة التجلي.
أتحسسُ ملامحكَ المنقوشةَ على جدارِ قلبي
آهٍ ما أوجَعَها وألفُ آهٍ ما أجَمَلك.
وآهٍ تخرجُ مَعَها زفراتُ الروحِ شوقاً لضمةٍ
وعناقٍ
ما التمستِ الروح قدسيّةً مثلهُما.
س: هل أنتِ راضية عن كل ما قمتِ به؟
ج: لا يوجد من يرضى كلياً عن كل ما يقوم به، لأن الكتابة مسؤولية وتجدد وإبداع.
وكلما سلطت الأضواء على الكاتب وجب عليه أن يعمل ويجدّ أكثر. فالأيام لا ترحم
القاعدين.
س: متى تبكي شاعرتنا؟
ج: هذا بوقُ النفيرِ يعلو صداهُ في أرجائي،
أنا تلكَ الغيمةُ الغافية على بِساطٍ من وجع.
أبكي حقاً وصدقاً على كل مشهد دموي أراه حولي، أبكي على الطفولة المذبوحة، أبكي
على أوطاننا العربية الموجوعة. منذ طفولتي وأنا أرى صور القتل والدمار وأدعو الله
يومياً ليرفع العذاب عن شعوبنا العربية المقهورة، ومن هنا أوجه صرخة وأقول لكل
المتحاربين: أما شبعتم تخريباً وتدميراً للبلاد وقتلاً للعباد؟ والله أحلم بأيام
أرى فيها الابتسامة والسعادة على وجوه الجميع.
س: ماذا حملتِ معكِ من زمن الطفولة إلى بلاد
المهجر؟
ج: حملتُ الحلم الذي كان يراودني منذ طفولتي وهو أن أكون جديرة بحمل القلم، فعملتُ
على تحقيق هذا الحلم ولا زلت أسعى. أنا من أنصار العلم وحزب القلم والورقة، أنا من
المرددين لمقولة الإمام علي (ع) ((الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في
الخلق)). وأعمل ضمن المجتمع الأسترالي بهذه الفكرة التي بها تحترم الإنسان وحقوقه
وحرياته الأساسية وخصوصياته.
س: هل حقاً أن مشكلة الشعر، هي اللغة وهل كتبتِ
الشعر بلغاتٍ أخرى؟
ج: لا، فأنا أعرف شعراء يرتجلون الشعر العامي الجميل ولكن لا يعرفون كتابته، هنا
لا نستطيع حرمانهم من هذه الموهبة. رغم حرصي الشديد على اللغة العربية والدفاع
بشراسة عنها، ولكن لا أريد أن أظلم أحد.
ولكن أقول، المنبر له ناسه وروّاده، الكلمة القوية ينطقها الشاعر المتمكّن بطريقة
أداء واضحة وبدون ركاكة أو تهجئة أو أخطاء إملائية وفي حركات التشكيل.
أما عن كتابتي للشعر بلغات أخرى، صراحة لست راضية تماماً عن قدرتي بعد في كتابة الشعر
باللغة الانجليزية. لا أنكر بأنه تمّت ترجمة بعض نصوصي للإنجليزية، ولكن خطوتي
القادمة بإذن الله، والتي لا زلت أدرس ليوم كتابة هذا الحوار لأجل تحقيق هذا
الحلم، وهو كتابة الشعر باللغة الإنجليزية. وهذا مقطع من قصيدتي ليلى حتى الرمق
الأخير.
I am Leyla until the Last Gasp by: Souzan Aoun,
Translation:
Dr. Baha Alak
I
bite off stories as pieces of conquest, However, I will not swallow my fingers
to breathe in the caves of silence.
As I
am who dressed the earth’s womb with irises. I crucify distorted history
at my desire with my flute. These illusions are fabricated translations of my dance.
س: ما الفرق بين الجيل القديم والجيل الجديد من
الشعراء؟
ج: لكل مقام مقال، ولكل زمان دولة ورجال، لا نستطيع العودة إلى الوراء إن أردنا
التطور. أحترم الفريقين، ولن أقول بأن فريق أفضل من الآخر، فهذا إجحاف وظلم. هذا
التنوع الثقافي عبر التاريخ للشعر ولصنّاعه وكتّابه، هو التطور الحيّ والنمو
للشعر، ولولاه لمات الشعر واندثر. رغم محبتي لشعراء الماضي، ولكن انحاز بدهشتي
لقصيدة حديثة تصف مشاعري وتعرف كيف تصل لقلبي بأفكار جديدة لم يطرق بابها أحد من قبل.
س: ما هي همزة الوصل بين الشاعر والجمهور؟
ج: ليست همزة وصل واحدة بل همزات، وهي كثيرة ومنها الاحترام والتواضع والإخلاص
والصدق. الجمهور ذكي جدا، يعرف الشاعر من المدّعي والسارق والناسخ من الشاعر
الحقيقي، ولديه من المعرفة ما تسمح له بتقييم ما يرى ويقرأ، وفي النهاية لا يبقى
على قيد الشعر، إلا الكلمة القوية.
س: ما هو الحلم الذي ما زال يراودكِ؟
ج: تراودني الكثير من الأحلام ويؤرق بالي الكثير من الأمنيات ككل امرأة على وجه
الأرض، أسأل الله لنا التوفيق في تحقيقها. وبما أنها كثيرة، ولا أستطيع حصرها،
ولكن أذكر منها، مناداتي للنساء بالتعلم والسعي الحثيث نحو حياة أفضل، وعدم
التقولب بقالب العادات الاجتماعية البالية التي تؤثر سلباً على سمعة المرأة
العربية. ويجب عدم السكوت على أي ظلم أو استهانة بحقوقنا وعدم الرضوخ لمطالب
المجتمع ((الذكوري)) الذي يحرم المرأة من حقوقها التي شرّعها الله وجاءت بها
الأديان السماويّة. علينا بالوعي واستدراك حلول تناسب هذه المرحلة الجديدة من
الحياة، والوقوف بثبات ورصانة، ولا نعتمد على ما سلف وعلى تجارب من سبقنا. المرأة
نصف المجتمع بل نصف الكون، فلنكن جميعاً على قدر هذه الحقيقة، وأرفع صوتي عسى أن يصل
لكل أسرة ولكل أم وأب، وأقول: ليس المهم أن نُنجبُ أطفالاً المهم أن نحافظ عليهم
ونربيهم تربية صحيحة.
س: ما هو جديدكِ؟
ج: جديدي صدور مجموعتي الشعرية الثالثة، جدائل على أكتاف الحب، وهو من إصدارات
جمعية حواس اللبنانية.
س: كسفيرة لجمعية حواس ما هي النشاطات التي قمتِ
بها؟
ج: معروف عني بالجالية في سيدني بأنني لا أهدأ، أخيط بإبرة المحبة ما بين الشرق
والغرب، أسعى دوماً للتواجد في أي مناسبة أُدعى عليها، لذا نشاطاتي كثيرة.
فعدا عن كوني سفيرة لحواس، فأنا مستشارة رابطة إبداع العالم العربي والمهجر فرع
أستراليا، وأعمل مع جمعية إنماء الشعر العربي في أستراليا وسفيرة لاتحاد نساء
العرب، وكشاعرة لي نشاط ثقافي خاص.
حالياً، أحضّر لحفل توقيع مجموعتي الشعرية
الجديدة الثالثة، جدائل على أكتاف الحب.
س: كلمتكِ الأخيرة لمنبر حواس؟
لحواس ولكل الأحبة في حواس، أجمل التحايا والتقدير، ولا زلت أذكر تعاملهم الجميل
معي خلال زيارتي التي قمت بها العام الفائت، وقمنا بنشاطات وزيارات ثقافية ووديّة
كثيرة، ودعمهم لي في حفل توقيع مجموعتي الشعرية الثانية ليلى حتى الرمق الأخير في
قصر الأونيسكو، لهم ولكل من دعمني ووقف معي وساندني لإنجاح زيارتي القصيرة
والمكثّفة وهم كثر، كل الاحترام والتقدير والوفاء.