Powered By Blogger

2017-07-28

سوزان عون وبوح الروح


Image may contain: 2 people

سوزان عون وبوح الروح




 بقلم: صباح محسن كاظم..

في صخب الإغتراب، ولواعجه، وإنتظار الأمل، تتوزع المشاعر الإنسانية بين الوطن الأم والمُستعار، بين الأهل والحنين لمراتع الصبا، بين الإندماج في عالم يصون الكرامة، ويحفظ الحقوق وبين العمل لسد رمق الوجود، حتى تتبلد المشاعر أحياناً باللهاث وراء الساعات المهدورة بالعمل اليومي.

 فيما أرى المشاعر عند الشاعرة "سوزان عون" أكثر حيوية، وتتدفق بالأمل، الحب، والروح الوثابة لإخضرارها، وديمومة مشاعرها الرقيقة الحانية، وهي تعزف سمفونية المشاعر النقية ببوحها الشهي في ديوانها –ليلى حتى الرمق الأخير- الذي جسدت به توق الروح للبوح عن مشاعر الحب التي تفيض بصدق ليخترق القلب.

 فالكلام العابر لا يتعدى سماعه الأذن فيما ينفذ البوح الشفيف والصادق مسامات القلب لِيعبّر عن الذات الأنثوية ومشاعرها دون زيف أو رياء، تبعث رسائل حب مع أريج الورد لمن تحب في ثنايا الديوان ليفيض بعبق المشاعر الإنسانية المتوقدة بإكتواء الشوق وأنين الروح..

في نص سأثأرُ لغربتي:

 مخادعٌة هي الساعاتُ معكَ،
حتى آخرِ التفاتةٍ منّك.

وعنَد تقديمِ القرابين
 متغطرسة أسماعُك.

 تجلسُ قبالتي،
 فتشكو هجرَ السُحبِ لأرضِكَ.
اسمع أيها الصاخبُ كزينةِ الميلاد.

حُضني شجرٌة لا ُتضنِيهِ لعبٌة معّلقة
ولا طفلٌ صغيرٌ يقّلبُ ثنايا مِنديلي ليرتوي.

 لو تسمعُ ابتهالاتي،
 أو تسبرُ أغوارَ مودتي.

 وآه لو أتركُ لكَ نافذة واحدة
 لتقفزَ منّها إليّ كلٍص بارع.

 شِعري صريعٌ بين يديّ،
 أهذّبُه فيأبى إلا الصراخَ.

عَطشٌ لتلكَ الأماني.

دعكَ من أهازيجِ الطفولةِ،
تعال وانضم لجيلِ المراهقين.

 تعالَ نبلسمُ أخاديد حفرَها الزمان.
 تعال نرتعُ بين حقولٍ وبساتين.

 أريدكَ رحيقاً معتّقاً لأستعر،
اشْرِبني إياُه في شراييني،
 وبعدها، ليجرِفَني الطوفان.

 خذْ منّي عِشقاً متمردا،
فأنا أكثر العصاة لجيل أمي.

ترانيم حب وبوح من أغوار الروح في ثنايا الأقانيم التي تعبق بها تعابير العاطفة والوجدان لترسم أجمل اللوحات الشعرية بصورها الغنّاء، برياض معشوشبة بالفرح والبهجة للقاء الأحبة لترتع بين مرابع الشرايين لتشربه بطوفان المشاعر للقاء.

في ديوانها الثالث، جدائل على أكتاف الحب تتوج "سوزان" تلك العواطف التواقة بشهقات اللقاء الذي ترنو له بوله يحمل دفق المشاعر وبوح العاطفة البيضاء الشهية بنقاء الياسمين وسمر القرب.

ديوان تشع فيه الحروف بلآليء الوجد والتعبير العاطفي الذي سكبته على البياض لِيسرق أضواء الروح نحو البوح الشعري بفيضه العاطفي..

بصري ُيرابطُ على قممِ
 الحبِ يتأبط بنياناً..

خذني خطاباً أزلياً،
أو عّلقني شبكةَ صيدٍ بين خُلجانك.

 احبسني حوتاً صغيراً في حِجرك،
 أو عّلقني قنديلا في ليالي السمر.

سأمر عليكَ في الصباحِ كفلاح
 نادتُه الأرض،  يزرعُ ويسقي.

 بعدها يشهقُ كوليدٍ،
يزحفُ لأول مرة، فلا يموت.

أعشقُ ترابكَ الأزلي،
 أسرِقُ أنفاساً عميقة،
أملأ بِها جُعَبِي.

تلكَ القلاداتُ العالقاتُ حولكَ صدِئة، طماعٌة أنا..

 أريُد قصيدة لا تموت،
وشاعراً يغرقُ معي ببحورِ الوله.

 تعلم كيف تزغرُد الأقحواناتُ عند الفجر،
 ليصنعنَ صبابتي.
هل رَضيتَ؟

 شفاهي تربٌة خصبة،
 نذرُتها لحناً لك.

أما آن أوانُ إيفاِء نذري بعد؟
 سأكسرُ أخرَ قارورةٍ من الرواية،
أصبها نارا، وأرفع دخان مواقدي.

في بوحها الشعري تؤكد الشاعرة "سوزان عون" على جدوى القرب وخطوات القلب لتغلق كل الشبابيك وتتناجى الأرواح بأريج ووله المشاعر المكتظة بالحنين عن قرب ليعبر عن الغناء، عن السعادة الإنسانية، لتغرق المشاعر ببحر الحب وحرارته دون عوائق للمسافات والبعد والإنقطاع وجور الأزمنة بعزل الأحبة.

 لعل من يقول:  أن النص الشعري صورة، ومعنى، ودلالة، وإنزياح، وعمق بالبوح، وتعبير عن خلجات الروح لتعبر عن مكامن الوجع وليس بألفاظ تسطر..

حقاً ذلك، وأجد القدرة الفنية في ديوانها الشعري بالقدرة على تطويع الألفاظ والكلمات والجمل الشعرية بنسق بناء النصوص وهذا من جماليات البوح..

قالت في مسٌ من الشوق:

الحبُ أصابَ سَردي
 بّمسٍ من الشوق.

فلا تسترسل بالغناِء لغيري.

ناقمٌة على خطواتٍ
 سَنّها الزمانُ وأبعدكَ عني.

 فهل هناك في الدنيا أنثى
 غيري ُتشبهك؟

  ركزت بمعظم نصوصها على موضوعات الوطن –الحب..
ثنائية المشاعر المتبادلة وقد حققت إلى حد ما نجاح في إيصال رسالة مشاعرها الإنسانية وهي ليست هموم ذاتية، بل مشاعر انثوية تجاه من تحب وتمثل مشاعر إنسانية فياضة لم تكتمها بل أطلقت حمائم الروح نحو البوح..

قالت:
ثمرٌة أنا بأريجِ الحقول.

 الغربُة القابعُة بين شفتي،
أقحلت صوتي،
 فانفخْ عليّ من سمرتِكَ لأتعطر.

 أدّسكَ عطراً بين المسافاتِ،
من عسلٍ ورحيق.

 أطربني بقصيدة،
ولو كانت وحيدٌة.

 رايتُكَ الفوّاحُة،
ربيعٌ وأقحوان.

 ترَاقبُ سُحبي فتندثرُ،
من أيّ الغُزاةِ أنت؟

أغزلُ من نجوى العشاقِ
 قصائَد تليقُ باسمك.

أدورُ في فراديسِ الروحِ كملاك،
 ألتقطُ من كلِّ جنةٍ ثمرًة،

قطوفُها دانيٌة مباركٌة
  لا لغوبَ فيها.

مسّها لهبٌ يعانقُ قصصَ الأولين
 لن ُتنزُلنا من السماِء.
 أبوحُ لطيرِها عن ألمٍ..

ورد في سيرة الشاعرة "سوزان عون"
إنها شغلت منصب مستشارة رابطة العالم العربي والمهجر، ومقرها في فرنسا.
·       سفيرة جمعية حواس في أستراليا.
 وحصلت على العديد من الشهادات التقديرية التي تعتز بها جداً، ومنها:
• شهادة من رابطة العالم العربي والمهجر في حفل كبير في جامعة إيفري/ فرنسا.
• درع وشهادة تقديرية حصلت عليه أثناء زيارتها إلى لبنان لتوقيع مجموعتها الشعريّة الثانية (ليلى حتى الرمق الأخير) من التيار اللبناني في قصر الأونيسكو.

• شهادة تقديرية وجائزة من مكتبة سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله بعد فوزها في قصيدة مشاركة بمسابقة ثقافية بين لبنان وأستراليا.

• شهادة تقدير وجائزة ودرع من رابطة البياتي في سيدني، في حفل كبير شارك فيه نخبة من شعراء وأدباء المهجر ومثقفي الجالية العربية في أستراليا.

• حاصلة على المرتبة الأولى من البيت الثقافي عن فئة القصيدة النثرية.

• حاصلة على شهادة تقديرية من وزير التربية جهاد ديب في البرلمان الأسترالي.

• شهادة التميز من نقابة شعراء الزجل من لبنان، استلمتها في البرلمان الأسترالي من نقيب شعراء الزجل الأستاذ جورج ابو انطون.

• درع التميز من جمعية انماء الشعر العربي والزجل اللبناني في أستراليا تقديراً منهم على نشاطها الأدبي وإصداراتها الورقية من الدكتورة المحامية بهية أبو حمد.

• شهادة تقديرية من الدولة اللبنانية من القنصل اللبناني سعادة الأستاذ جورج بيطار.

•  ناشطة اجتماعية في أستراليا وشاركت في معظم المهرجانات الثقافية والأمسيات الشعرية بقصائد حسب المناسبات.

كُتب عن إصداراتها العديد من الدراسات النقدية من أكبر شعراء الاغتراب.

نشرت قصائدها في بعض الجرائد الرسمية في أستراليا، وعلى بعض المواقع الإلكترونية.

للمرة الأولى بمصر .. ننشر قصيدة “قرابين العشق” من ديوان “ليلي حتى الرمق الأخير” للكاتبة والشاعرة اللبنانية سوزان عون

للمرة الأولى بمصر .. ننشر قصيدة “قرابين العشق” من ديوان “ليلي حتى الرمق الأخير” للكاتبة والشاعرة اللبنانية سوزان عون

كتب – محمد الشحات:
في مفردة ليس لها نظير قدمت د. رشا غانم ، مدرس النقد الأدبي ، الجامعة الأمريكية بمصر ، لديوان “ليلي حتى الرمق الأخير” للكاتبة والشاعرة اللبنانية سوزان عون قائلةً: (يجسد ديوان “ليلي حتى الرمق الأخير” المحطة الثانية للشاعرة اللبنانية سوزان عون في مشوارها الإبداعي بعد إصدار ديوانها الأول “إليك الرحيل فاذكرني”.
يتكون هذا الديوان من أربع وثلاثين قصيدة ، تشع منهن طاقة نورانية من الحب تبثها الشاعرة في ثنايا قصائدها ، لنشعر بعبق الحياة وطلاوتها في ظل هذا الكائن العجائبي ، الذي تتوق له كل نفس، ويهفو إليه كل قلب ، حيث تستند إليه الشاعرة كحلقة وصل تربطها بالعالم من حولها.
ويأتي عنوان الديوان “ليلي حتى الرمق الأخير” معلناً عن وهج المشاعر وتدفقها في سكون الليل ، فالشاعرة تجتر ذكرياتها الموجعة في دجنة هذا الليل الحالك السواد. وتفيض الذكريات في قصائد الديوان، وتنبئ عن نفسها من خلال محورين رئيسين هما:
الأول:
ملحمة العشق الخالدة التي ما زالت تنبض بين جوانحها، وقد تصدَّر هذا المحور أغلب قصائد الديوان مثل ما نجده في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان وقد بدأت بضمير المتكلم المنفصل “أنا” لرصد واقع الذات الشاعرة وتمثلها للأنا بصورة معمقة لكل مشاعر النفس الإنسانية.
تقول من القصيدة ذاتها:
سأهدمُ كلَّ الجدرانِ التي هزمتْ هجماتِ ليليَ الأسودِ.. فأنا والنّجومُ أحبّةٌ ومن أعلنتِ الحربَ عليكَ في البداية .. وها هي الخطوبُ تتسارعُ كنيزكٍ .. فرّ رجماً لمحنةٍ ، ولأعلنكَ بعدها ملكاً لأوجاعي .. لا تلحقني وانظرْ خلفكَ .. هطلَتْ من اسمي أيقوناتٌ ، طرنَ كليلٍ حالمٍ سِكّير .. وبعدها تسألُني من أنا؟ .. عدْ لمهدكَ الترابي وانهلْ منه حتى تشبع.
تريد الشاعرة أن تطلق لنفسها العنان ، حتى تتحرر من قيودها وأغلالها التي تمنعها أن تحلق كطائر أسكرته نشوة الحب ، فهي ستهرب من تلك الجدران التي تحيط بها لترنو مع النجوم في ليل حالم تاركة خلفها سرابيل من أوجاع دثرها لها رجل ، لم يكترث أنها جسد وروح معاً ، فالمرأة كائن رقيق تريد من يتفهمها ، لا من يقمعها ويشعرها بأنها كائن بلا قيمة.
وأيضا تعمّقْ في قصائد أخرى منها قصيدة قرابين العشق تقول: لن أحزن!! .. ولستُ حاقدةً على تاريخي .. ولا على أشواقي .. فقلبي لا يرتادُ دهاليزَ مظلمة ، ولا يرتوي من بحارٍ مالحة .. ولا يراودُ الحياة عن نفسها، فأنا من تربة سقاها حلم الصباح .. خَطَّ على جبينها اسمي .. فتكحلتْ كعروسِ الفرات الخصيب … اسمع أيها الآدمي .. أنا شوكةٌ داميةٌ في خاصرة الحصاد .. أبرعُ كما نسائم الساكنين على رمشك .. متوردةٌ أنا في حشاشة الصّبا .. يقتبسُ مني كلّ المجادلين في أزليّة الحب .. فيخفقون .. وأنتصرُ أنا .. وأنتصرُ أنا .. وينهزم العدم .. فخذْ من حرفي حتى ترقى.
نتنسم من القصيدة نبضات حالمة لكل ما تتوق إليه الشاعرة من الحظوة بالحب، وجاءت الألفاظ “أشواقي ، قلبي ، تكحلت ، كعروس ، متوردة ، الصبا” تؤكد أنها ستعيش للحب مهما صادفت من آلام مبرحة تعوق مسيرتها إليه ، وستنتصر وسيخفق كل من يخالف دربها ، وجاء أسلوب التكرار “وأنتصرُ أنا .. وأنتصرُ أنا ، ليكثف المعنى ويعمق الدلالة ، لأن التكرار يعطى دفقة شعورية تستجلي أحاسيس الشاعرة وما تحس به من زهوة الانتصار الذي ترويه من نبع قصائدها السامقة.
وأيضا في قصيدة “غريبة بين الوجوه” تقول: لا يعلمونَ بأنْ الجسدَ ارتفعَ والروحُ  .. لا زالتْ حولنا تحوم .. يرحلونَ ويزرعونَ دروبنا اشتياقاً .. وذكرياتٍ ودموعاً في عبر .. تومض صورهم كنجوم في ليل طويل .. تجتاحنا أشياؤهم .. ألوانهم .. أصواتهم .. صورهم .. كلماتهم … نتألمُ أكثر حين نحتاجُ صِدقهم وحديثهم .. فما أصعب إفراغ الذاكرة منهم .. رحلوا وتركوا بصماتهم حيّة تنبض فينا .. ما أوجعها.
تستحضر الشاعرة الفراق بكل عذابه وشجونه ، فما أقسى فراق الأحبة! فحرقة الأكباد من سقم الحب ، وألم الوجد تجتاحهما مشاعر الفراق المضنية التي تجعل الإنسان يتذكر كل شيء لمن يحب ، فهل سننجح في إفراغ الذاكرة منهم؟ ، فالذكريات هنا تصبح كالبصمة التي تطبع في نفس كل موجع أضناه الحب.
وأيضا قصيدة “ليوسف” تقول: إن تشبّهتُ بيعقوبَ الملك .. ستأتي سنون الخصبِ سريعاً .. وستسمنُ البقراتُ العجافُ ثانيةً .. بعدها سأحملُ معي .. كلَّ القمحِ الذي حفظتُه في سنابله .. وأدسُّه في أروقةٍ محايدةٍ .. ما قبل السفرِ لِيختمر .. وأقدّسُ المكانَ ككعبةِ الوجدِ عِندَ زليخةَ الطاهرة ، فأتحررُ.. يا يوسف .. لا جدوى من شمسٍ إنْ لم تهبكَ احتراقاً .. وتطغى سُمرتُها على القصائدِ عزّاً واقتراباً.
ترتوي الشاعرة هنا من نبع فياض تمثله قصة يوسف في القرآن الكريم التي تناصت معها شكل ومضمون القصيدة فالعنوان “ليوسف” تختزل فيه قصة يوسف بروعتها وسلاستها ، وقربها إلى النفوس لما تحمله من قدسية وطهارة ، وجاءت العبارات “يعقوب الملك ، سنون الخصب ، كل القمح الذي حفظته في سنابله ، كعبة الوجد ، زليخة الطاهرة ، يا يوسف… تكثف المعنى وتعمق لكل قيم التضحية والصبر والتفاني والطهر التي تغتسل منها كل أدران النفس الإنسانية.
وتستجلي تلك المشاعر الفياضة أكثر في قصيدة “المسرح باهت” تقول: أهٍ ما أوجَعَها .. وألفُ آهٍ ما أجَمَلكَ .. وآهٍ تخرجُ مَعَها زفراتُ الروحِ شوقاً .. لضمةٍ وعناقٍ ما التمستِ الروح قدسيّةً مِثلهُما … حاربني بِكلِ ما أوتيتَ من قوةٍ .. صارعني ، اهزمني .. فالهزيمةُ بين يديكَ علوٌ وانتصارٌ … سأغرزُ إغرائيَ فيكَ بكلِّ ما أوتيتُ من أنوثةٍ .. وأتقلّبُ بينَ ناظريكَ كهاربةٍ مجرّدةٍ من أوراقي.
تمتلك على الذات الشاعرة هواجس كثيرة فلا تجد متنفسًا لها غير نبضات كلماتها تبث فيها ما تشعر به من هواجس ، وسط جو من التوتر والقلق وأشياء كثيرة تحاول أن تعبر عنها، وتتكرر الآهات “أهٍ ما أوجَعَها .. وألفُ آهٍ ما أجَمَلكَ .. وآهٍ تخرجُ … لتكثف من آلامها وعطشها لحب جارف يصرع مشاعرها ولما لا وهي أنثى تمتلك كل أسلحة الأنوثة القادرة على إغواء الرجل ، لأنه في عينها وطن بكل ما تحمله الكلمة ، وبوح كائن في أعماقها تسطره لنا بخطاب مشحون بأحاسيس عمرها. فكان خطابًا مفعما بكل ما تكنه من آلام ومعاناة تنبض بداخلها.
تستكمل هذا المعنى في قصيدة “استقّلت الفجر يراعاً” تقول: أنتَ في عينيّ وطنٌ .. تَبَتّْلْتُ في مِحرابِه فاستوى بعدها صوتيَ المغرم .. كنْ لبوحي حبراً أزلياً .. لحينَ موتي .. لا يلينُ ولا يُعدم … سردي هذا خطابٌ مثقلٌ بالشجن .. أهَمّهُ الرحيلُ ، فاعتكفَ كمريم.
ودلالة لفظة “مريم” هنا تستحضر القديسة مريم بكل ما تمثله من طهرها وعفافها واعتكافها في محراب الذكر الإلهي ، ولكن ذكر الشاعرة هنا هو سردها النابض بانفعالات عمرها ، وأشواقها المكتوبة في لحظة انكشاف ، وبوح لرغباتها الدفينة المتحررة من الخوف.
أما المحور الثاني:
هو “الاغتراب” فالشاعرة هنا لم تكن تقليدية مشغولة بمحور ذاتها فقط بل حداثية قد عايشت مرحلة الاغتراب المعاصرة ، ومعاينة الأسئلة والهواجس الكبرى التي تؤرقها وتشعرها بالاغتراب عن الذات ، والآخر ، والاغتراب عن المكان ، فنجد لها القدرة على التعبير عن خصوصية هذه التجارب الإبداعية وعلاقتها الواعية بالوطن.
وهذا الوطن واقعه ما زال يئن من جراء أحداث كثيرة وما أقسى أن يكتوي المغترب بأنات وطنه وهو بعيد عنه.
يكثف الاغتراب حضوره في قصيدة “كأنني كنت هنا” تقول: منْ يعرفُ زوايا الاغتراب .. وعجنَ الرحيلُ ذاكرتها مثلي .. كأنني كنتُ هنا .. أو كأنني ولدتُ هنا .. لا ، هناك .. وتاهتْ خلفي خطواتي .. وتاهَ دربي الذي تأرجحَ بين دروب العمرِ .. وما عادَ يزعجني … أزّفُ روحي للحريةِ كلّ مساء .. وأرقبُ أسرابَ المغادرين والعائدين .. لا يقلقني الغد .. ولا الموت ولا تلك المسافات الفارهة .. التي بيني وبين المستقر .. لا أضجر ولا أيأس .. ففانوس الحلم في يدي .. وسندباد رحلتي لم يقلع بقاربي بعد.
فالشاعرة المقيمة في استراليا بعيدة عن نسمات وطنها الحبيب ، تحلم به في كل زفرة من أنفاسها ، أضحت لا تأبه الموت ، ولا يغتالها الضجر أو اليأس ، فما زالت ترقب أسراب من الناس تذهب عنه وتأتي إليه ، وجاءت لفظة “أسراب” لتعبر عن محنة الوطن وما يموج به من قلق واضطراب وأحداث دامية ، يقبع فيها إلى الآن ، ولكن ما زال الأمل معقودا طالما الحلم موجود لغد أفضل إشراقا لوطننا الجريح.
من قصيدة “ترنيمتي إليك” تقول: أحلمُ بأجراسِ مدينتي تقرعُ في ليالي اللقاء .. ترفعُ الغربةَ عن الصدرِ المتعطشِ لحضنِ الوطن .. تُصدِرُ أصواتاً كأنّها أغرودات المشتاقات لحبيبٍ تأخر .. هذا نحنُ يا وطني ، لا زلنا تلكَ السفن التي تحنُّ لمرافئك يوماً ما .. نحلمُ بسمائكَ الزرقاء خالية من غيوم سوداء .. نرنو لحقولكَ المترعة بمواسمِ الحصاد .. ونبتسمُ لزهرات متورداتٍ حانيات .. هذا نحن يا وطني .. تُسَيّرُني النُجُوم إليكَ .. لأبلُغَ مَدَارَك المزروعَ بالنور .. فعلّمني قراءةَ خواطرِك .. تُسامرُني النغماتُ لأكونَ لحناً جميلاً .. في ترنيمتي إليكَ.
وما زال الحلم ديدن الشاعرة تريد وطنًا تزهو حقوله لاستقبال المتنزهين ، وتبسم زهراته في أعين المارين ، فالوطن حضن لأبنائه وبلسم لمن عزَّ شفاؤه ، يتداوى به كل صدر متعطش لحضن الوطن الدافئ.
من قصيدة “بالله عليك قل لي” تقول: متى ستجتاحك عاصفة الأمان والسكينة يا وطني؟ .. متى يلّف مطر الحب .. قلوب أهل بلدي؟ .. متى ترتفع في سمائك مظلات .. الفرح والحنان؟ .. متى تقف سفن الراحلين عن مغادرة أرضكَ وتُنْزلُ أشرعة الفراق؟ .. قل لي بالله عليك متى يا وطني؟
ونختم بلسان حال كل شاعر يلهج بذكر وطنه والدعاء له ، وتشاركهم الشاعرة داعية أن يمن الله بالأمان والسكينة على وطنها الغالي ، ويضحى وطنا بلا حروب ، بلا ضغائن ، تمطر عليه سماء الحب ، وتنتشر زغاريد الفرح والسرور ، وكل مفارق يعود ، وتأتي التيمة الدلالية الخاتمة للقصيدة “قل لي بالله عليك متى يا وطني؟!” ، لتعمق المعنى وتكثف الدلالة ، وتختزل كل ما يجيش بخواطرنا ، وتنشغل به أذهاننا بكل ما يحفظ كرامة هذا الوطن الحبيب.
تعتمد القصيدة النثرية ذات الشعرية المسرودة هنا على حكي موسوم بفيض من المشاعر العطشى للحب ، قصيدة النثر هنا سيمفونية ، تعزف على أوتار الحب ، لترصد لنا أنشودة مفعمة بالحيوية والنشاط والدهشة ، نسجتها الشاعرة بحرفية متقنة في كل شبكات القصيد ، ونقول للشاعرة ما زال إبداعكِ لم ينضب بعد؟!) أ.هـ .
لنبحر معا بـ “ليلي حتى الرمق الأخير”….

قرابين العشق

أدنو من أزاهيرِ الحضاراتِ
كطيرٍ نبتَ لهُ ألف جناح.
يرتوي من غدرانٍ باردةٍ
لن تهزمهُ طلقةٌ عمياءٌ.
لن تَصُمّ آذانَ الفجرِ بنحيبها أو أرتعد.
سأعاودُ الرقص من جديد.
اتبعْ قلبكَ، لا تمنحْ فراشات النورِ نقمة الاحتراق.
أسبغْ على الحريةِ أهازيج النخلةِ الصابرة.
أنا عهدكُ المتّيم بفراستكَ المعهودة.
وقرابين العشق التي لم ينقطع سكبها.
أنا الوجع المدفون في كهوف الغيرة،
أتحايلُ على زمانكَ القصير.
أفترشُ القلبَ ببساطٍ من ذهبٍ ،
تلمعُ عيّناي كلّما دنوتَ مني.
ويخمد الأفق كجمرةٍ مجنونة ،
في بقعة ماء، وأنصهر.
نِصالكَ الموجعة أحاطتْ بي،
أنا الفردوسُ عند انسكابكَ طهراً ويراعاً.
خُذْ من سِني عمري ما تشاء.
وأعدْ لي أنفاس الصّبا
ليقرعَ قاموسي الصامت وأنطُق.
أخرَسَني الجفافُ الزاحفُ
مذ عزمتَ على هجري.
مفرداتي حائرة، تتشكّل كغيمٍ مسّهُ الجنون.
أو ريحٍ ضربتْ جزيرة نائية فتبعثرت.
ويلٌ للنازحين خلف أسراب الخيال!!
يجرّونَ خلفهم ذيول الانقطاع والمصير.
لن أحزن ولستُ حاقدةً فقلبي لا يرتادُ دهاليزَ مظلمة ،
ولا يرتوي من بحارٍ مالحة.
لا يُراودُ الحياة عن نفسها ،
فأنا من تُربةٍ سقاها حُلم الصبا.
خَطَّ على جبينها اسمي
فتكحلّتُ كعروسِ الفرات الخصيب.
أظافرُ الليلِ الأسود ، إن أمسكني
أهربُ منه كزئبقٍ.
أصنعُ من نجماتهِ درباً إلى السماء.
وأحلّق.
وأرتفعُ مع كل استدارة قمر
وبوح لعاشقين تحت سناه.
أما نحيبُ موتي فباتَ على مُحيط اللقاء ،
يتجرّعُ مزاجكَ الساخر، يرقبُ راياتٍ من سديم.
لعينيّ تركعُ كل قناديل المساء.
آهٍ بعدها وصمتٌ مطبق.
اسمع أيها الآدمي ،
أنا شوكةٌ داميةٌ في خاصرة الحصاد ،
أبرعُ كما نسائم الساكنين على رمشك.
متوردةٌ في حشاشة الصّبا ،
يقتبسُ مني المجادلين في أزليّة الحب.
فيخفقون، وأنتصرُ أنا
وأنتصرُ أنا.
وينهزم العدم ،
فخذْ من حرفي حتى ترقى.