من خلف زجاج نافذة الحياة، وقفتُ أراقبُ كل المّارين على دروبها.
مشاهد غريبة عندي وأليفة عند البعض لفتت أنظاري، سجلتها ذاكرة سجلاتي، وحفظتها في مكتبة الدروس والعبر.
تأسفت على أيام في محطات حياتي، حفرتْ أخاديد عميقة في سهول ذاكرتي.
برئ منها القليل، ومنها ما زال يراوح فوق سهولي الخضراء، يأبى إلا أن يحصد ما تبقى من سنابل، ويحرق بيادري الغنّاء، ولكن لا وألف لا.
جروحٌ ساخنة، يتدفق منها ألم حار يؤلم صدري الذي نخرته تصرفات بعض من يدّعون الوفاء والصداقة.
أسفي على بشرٍ، لا يمتّون للإنسانية بِصِلة،
وفرحي ببشرٍ، كانوا هُدب العيون، حفظوني، وقدموا أنفسهم قرابين على مذبح الوفاء.
لم تسلم ذاكرتي من طعنٍ، من نصالٍ قريبة مني جداً.
نصالكم يا سادة كانت موجعة، وغدركم كان مؤلما، سامحوني إذا قلت لكم ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة.
لم أتملّق أحداً في حياتي، ولم أسخر من أحد، ولم أحسد أحدا،
فلمَ الغدر؟
أحببتُ الجميع وبصدق، أعترفُ بأنّ هذه هي مشكلتي، إنني لا أعرفُ أن أكره،
ولكن، وجدت المحبة عملة بالية في ساحات الشهرة، عملة قد أكل الزمان عليها وشرب.
واستمريتُ في المسير ولم أبالِ،
لأنني آمنت بنفسي وبحبي
لخلق الله جميعا.
فكيف أحب الله وأعبده وأكره خلقه،
الذي هو من أوجدهم، وخلقهم، والروح النفيسة منحهم، كيف أؤمن ببعض الكتاب، وأكفرُ ببعض؟
لم يكن الخيارُ لأحدِِ، في أن يختار مكان مولده، أو هويته، أو حتى دينه، لذا يجب أن نحترم خصوصيات الناس.
وآه ألف آه على الصداقة، تلك النعمة والعلاقة الثمينة التي تقوم على مبدأ أنت أخي لوجه الله.
فتحولت بقدرة الغادر، إلى نقمة ونوع جديد من النفاق، يفوق الخيال.
كله مّر في ذاكرتي، كأنه شريط طويل، إلى أن وقفت أمام محطات رائعة مرّت في حياتي وعشتها، وكانت الأروع.
نعم..
الأروع في حياتي تعرّفي على فئة من البشر، نادرة جدا، لن أنساها ما حييت.
مجموعة مختلفة ونادرة ومنّوعة من كل أجناس وألوان الجواهر، لم تصل إليها يد الصاغة، فبقيت على جودتها وندرتها وفطرتها.
أحبهم وأجلّهم وأحترمهم عمري كله، لهم شغف القلوب، وأفديهم بالروح.
طهارة ليس لها علاقة بأيامنا هذي، سلامي إليهم ما حييت.
لن أذكر أسماء، فهم يعرفون أنفسهم، فأنا أخبرتهم بأنهم ألماس ودرر في تيجان الصدق والوفاء، نزين الرؤوس بها، كل الود لهم.
سوزان عون
أستراليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق