غرباءٌ نحن بين الوجوه..
أقلَّب ذكراهم، كمن أصابهُ
مسٌّ من وحي.
كحبرٍ مسكوب،
كنهرٍ بلا خلايا.
يجري كمدارٍ رتق،
يعودُ بي لدهاليزَ مقفرة.
وطيور البعد الأزرق،
تحومُ فوق رأسي.
كأنني جزيرة نائية ملقاة،
في مجرةِ العدم.
أسقطُ من الهوّةِ
السوداءِ، كبرقٍ أعمى.
أطرقُ برأسي سطحَ الأرض،
بوجهي ووجعي،
كمسمارٍ باسق.
والموجُ الأخرس يضربُ حافة المرفأ،
تتأرجحُ بعدها زوارق خاطرتي.
بين حفنات من تراب،
بل رحلات كونيّة.
هل أكتبُ بحبر قلبي..
أم أتركُ الأمرَ لسطوةٍ،
تُلّون حياتي بلونٍ بهيج؟
وحين وهلة وظلام،
تعودُ الأسرابُ نحو الأفق.
وتبقى الصرخات المدوّية
التي أوجعتْ رأس السماء.
كأنّهُ قوس الاشتياق
يراودها عن نفسها.
حتى الغيمات صرختْ
بِصوتها المضيء.
أشعلتْ رأسي
بوميضها من جديد.
وبين الحنايا وعلى رؤوسِ الأشهاد،
توطّن تعبي بوشاحٍ حول عنقي.
ونموتُ..
ونُدفنُ..
كأنّ أصواتنا سكنتْ،
أو كلماتنا اندثرتْ..
لا يعلمون بأن الجسد ارتفع،
والروح لا زالت حولنا تحوم بوجع.
نعم،
لا زالت..
يرحلون ويزرعون دروبنا،
ذكريات..
ودموع..
وعِبر.
وتومضُ صورهم كنجومٍ
في ليلِ طويل.
فتجتاحنا أشيائهم..
ألوانهم وأصواتهم..
صورهم وكلماتهم..
نتألم أكثر حين نحتاج صدقهم،
وحديثهم..
فما أصعب إفراغ الذاكرة منهم.
رحلوا وتركوا بصماتهم
حيّة تنبض فينا،
ما أوجعها.
كلّ نبضة تثيرُ عاصفة من الحنين،
كدوامةٍ كبيرة..
نسقطُ فيها فندورُ فيها،
أو كطاحونةٍ فقدتِ العنوان،
ونسيها التاريخ.
وتبقى أصواتهم مدوّنات
خالدات على جدران الحضارات،
التي لا تغيبُ الشمسُ عنها أبداً.
وتئنُ في محراب النور،
كنجم ذبيح على أعتاب الكون الفسيح.
سوزان عون