Powered By Blogger

2016-01-10

رسائلكَ وأشياء أخرى (كاملة)


وها أنا الآن أقرأُ رسائلكَ 
المدهشة للمرة العاشرة،

 ومع كل حرف، يتطاير
 عبير لبق أنيق.

ترسمُ لي الغروب فجرا،

 وتُلبسُ شجرة الزيتون أقحواناً، 
والبرتقال الأصفر تُلّونه تفاحا.

الخريف عندكَ ضاحك، ساخر،
 وبل راقص.

الأفق منديلي الأبيض،
 والليل أهدابي،
 و السهل كف يدي.

تملأُ لي من ذلك النهر البعيد،
 قهوة فاخرة في كؤوس من لقاء.

ويعلو صوت النشيد، 
عزف صاخب في رأسي،
 كفرقة أضاعت النوتات.
 
 تُلّوحُ لها أنتَ ك مايسترو عظيم،

 لتهدأ وتعزف من جديد.

كأنني سمعت هذا الصوت،
  أين، أين يا ترى؟

وأستمر بالقراءة، 
ويفرّ النعاس من عيني،
 وتعانق دمعة هاربة سطورك.

لو تعلم كم أكرر تفاجئي ببراعتك
في تأليف المشاهد المضحكة لتضحكني.

عندما أعرتكَ أقلامي وأوراقي
قلت لي ستردها يوما،
وأنا أنتظر.

شرودي مع كلّ سطر،
سردُ موسّع في ديوان،
كقصائد بلا عنوان.

أف كم أكره النقاط،
كلّ مرّة أقول في نفسي،
عندما تأتي،
سأخبرك بأن لا تكثر من تنقيط الصفحة.

أريد الزهرات باسقات.
أقتربُ من آخر سطر بألم،
وأنا عاجزة تماما عن تذكر اسمي،
وأردد اسمك، اسمك.

باقةُ الزهر الوحيدة العالقة بين أصابعي،
علقتها على رأسي شعارا.

ومضى الوقت سريعا.

فأعدتُ الصندوق إلى مكانه
ولكن سأعيد الكرّة غدا صباحا.

 
 ***********
اليوم، كنتُ تعبة، ناجيتكَ ليلاً،
إلى أن أشرق عليّ الصباح.
والنور ضيف من ضيوفي،
 أهتم بوفادته.


أذكرُ كم كنتُ أنتظر رأيكَ بكل ما أكتبه،

 كطفل تائه عن أمه يرقب ابتسامتها.


أو تلميذ ينتظر من المعلم إعلان اسمه مع الناجحين.



كنتُ أطرق باب الحوار والنقاش معك،
 لأسمعك فحسب. 
  أشياؤك مرتبة كما تريد،
 ألمسها يوميا ولكن من بعيد.

ولحديثك طعم الحرية والحياة.

 
تناديني بلقب أحبه، 

ولا أحبه إلا بصوتك،
وما أجمله من نداء.

آه كم يرفع عن كاهلي
 أنواء وأعباء.
 
  سفرك طال،
 والانتظار وجع فوق الاحتمال.
 
 أتوقُ للسكينة،
وسجادتي مزركشة بلون مريح،
 أحب السجود للمعبود.
  القرآن دليلي وقنديلي ،
 وفي ليالي الشتاء الباردة
 والغربة.

**********


اليوم راسلتهُ ولم يرّد عليّ الجواب بعد،
 فأنا أعرفُ حجم انشغالهُ صباحا.





ولكن هذه المرّة،
 رسائلي ليست برسائل ورقيّة،
 فقد دخلنا عصراً حديدياً وتطوراً مجنونا.





وتعلمتُ لأجلهِ حملَ ما يُسمى جوالاً أو موبايلا،
 لأكون منه أقرب.




أشعُرُ بغربةٍ بلا أوراقي، 
وأشعرُ كأنني خسِرتُ هذا الحنان الغريب الذي كان يتملّكني عندما أكون في حضرةِ الكتابة.




فلا حبر أزرقٍ جميل،
 أكتبُ به على أوراق رسائل خاصّة،
 على زواياها ورود جميلة.




وكمْ كنتُ أهوى أن أُزين أوراقي
 بقلوب صغيرة في نهاية كلّ سطر.




كنتُ عندما أنتهي من دفتر الرسائل،
 أحتارُ ماذا أختار غيره،
 ليكون ورقه بأجمل زينة.




هل أختار الأبيض،
 أم الزهري؟


لا، اليوم سأكسرُ الملل
 بورقٍ بنفسجي مذهل.




زارتني صديقتي صباحا، 
ورأتْ جوالي على الطاولة،
 كنتُ أظنُ بأنّها ستصاب بالدهشة.


عندما تأتي، تطرقُ الباب بسرعة وعنف،
 كأن إعصاراً تحكّم به.




تفضلي،
 بتُ أعرفُ موعد زياراتها لي،
 فهي صديقتي الأقرب إلى قلبي،
 وأحتملُ مزاحها ولو كان ثقيلاً بعض الشيء. 


ولكن هي أبرعُ منّي بالتكنولوجيا،
 وهي تعرف ذلك.




أين القهوة يا مريم؟


أيعقل يا هدى،
 على الأقل قولي صباح الخير.


اجلسي،
 دقائق وأُحضّرُ القهوة.




ماذا أرى يا مريم،
 مستحيل، موبايل!!




وأطلقت ضحكتها الطويلة،
 أخيراً يا صديقتي الحنونة،
 أصابكِ مسّ التطور.




هي فعلاً اندهشت من جوالي،
 ولكن بطريقةٍ هزليّة وساخرة،
 ولكن لن أبالي.




قالت:
 أيُعقل أن يعجبكِ هذا وهو قديم،
 وهناكَ أحدثُ منَه بمئة مرّة.




أجبتها: كفاكِ سخريّة مني،


ما زلتُ أجهل كيف أستعمله جيدا.

 واليوم بعد عراكٍ شديد،
 تعلمتُ كيف أُرسلُ رسالة له.




لا تقلقي،
 لن أبرحَ بيتكِ قبل أن
 أُعرّفكِ على كل كبيرة وصغيرة 
على جوالكِ الخارق،
 بشرط أن تشتري الأحدث منه بعد ذلك.




هيا قولي لي ماذا كان
 رأيُ الحبيب،
 بعد أن أرسلتِ له رسالة إلكترونية،
 وتخليتِ بصعوبةٍ 
عن أوراقكِ يا فيلسوفة عصركِ؟
 سألتني هدى.




أجبتُها بما أرسله لي،




قال:
أتلمّسُ وجهكِ وسطَ عتمةِ الليالي.
لعلّي بضيائهِ أُذهب دُجى
 الليلِ الحالك.

أتحسسُ عطفكِ
لعلّي أجدُ رفيقاً يُذهب عني
وحدتي ووحشتي.

أتشوّقُ وأنتظرُ
سماعَ صوتكِ الحاني.

لعلي أروي ظمئي
لموسيقى تؤنس غربتي.

أنا وحيدٌ بدونكِ
وسط ألوف البشر.

 نفسي تأبى
أن يقرأ رسالتي غيركِ.

  أنتظرُ ردوكِ المختصرةِ على
أحرّ من الجمر.

لا تعلمين كمْ أحضنها وأقبلها
 وأشم رائحتها.

لا تعلمين كم أقرأُها
وأقرأها ولا أمّل منها أبدا.

أليست منكِ وقد خطّتها يديكِ.

أنتِ أثمنُ ذكرى عندي
والشوق حملني إليكِ من جديد.

نبضةٌ واحدة من قلبي لكِ
كسرت كل الأقفال
وفتحتهُ على مصراعيه.


وخلّعت كل الأغلال
وفرّت إليك كل مشاعري.

***************
 أجبته:
بتُّ أخشى الحرف الّذي لا يدلّني عليك

وتحملني خباياه

وتأخذني إلى حيث تكون.
 

أغمض عينيّ

لكي أراكَ في حلمي كما يقظتي.



دعني أُرتّل أنشودة من صنع حضورك.


دعني أصرخ في وجه الدّنيا بأعلى صوتي،
بأنّ البسمة سلاح الأقوياء، 
 وأنت ابتسامتي.


لأجلكَ بتّ أُحبّ أحجار الأرض 
 وأُقبّل أوراق الزّهر،

وأضمُ أعواد الرّياحين، 
ولو عاتبني الجميع.



  أرسمكَ لوحة خالدة في الحروف،

لا يدرون بأنني أستمدّ الدّفء والّلون منك.


فصباح الّلون والحرف المسمّر على لوحة الأيّام

المذيّل باسمكَ على صفحة عمري.

روعة الحضور في صباح حروفك الماطرة
 وأكاليل الغار تزيّنها.



وسكوت خفيّ يُبرق بلا لون يُزهر كالأقحوان وبسمات ربيعيّة حمراء كشقائق النّعمان..


كسرت صمتي وأطلقت حرفي،

فحتى بصورتك ناطق وفنّان..


صباح الخير العابق بعطر مرج من الزّهور

وترتيلة وفاء تحملها الطّيور وكفّ ماطر

وحرف مقدّس على مدى العصور..


وأنشودة محبّة، وعهد كدُرٍ منثور

وحرف ناطق بالودّ والسّرور..

 
سوزان عون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق