كل الشوارع خالية

كتبت هذه الكلمات عن حادثة واقعية حدثت معي.

من شهور قليلة، بينما كنت أنتظر الحافلة لأتوجه إلى كليّتي، وكان الوقت مبكرا وباردا، وإذ بسيدة تعبر الشارع للرصيف المقابل، وهي تجرّ ورائها حقيبة سفر خاوية، تقرع بصوت مرتفع، كسر رهبة الفجر وصمت الصباح بدويّ صوت حقيبتها.

لفت انتباهي هذا الصوت وهذا المشهد، فأخرجت جوالي، وسافرت مع المشهد ومع ذاتي وبدأت بالكتابة.

تخيّلت السفر القادم لنا بغتة، تخيّلت حقيبة سفرنا إلى المجهول، وتخيّلت البشر وكيف يختبئون خلف أقمشة وهمْ من طينة واحدة، وكلنا سنقف أمام بوابة العبور مهما كانت جنسياتنا، فكانت هذه الكلمات.

 كل الشوارع خالية
إلا مني أنا
وحقيبة سفر خاوية
 تقرع وهي متجهة إلى المجهول
وأفكار تحملني إلى كل الجهات

وعيون من ورق
 كأقصوصات مجلة
 أو جريدة

 وقلوب من وهم
في أجساد تغطيها أقمشة
 تستر أرصفة وناصيات

 ما تبدّل فيها
 إلا الألوان والأسماء

تنبعث منها روائح من خداع
 كالزمان وكل الأزمنة
 
مَا أغْرَبَني
ومَا أَثْقَلَ حِرَاكي

وسَحَابَاتُ المَوَدّة مَشْطُورَةٌ كَزَبَدِ المَاء
  تُحَرِكُها أقْلامٌ

 وتُغْرِقُهَا دَوَاةٌ
 ويُعَرِّيهَا ألم

ومَقَاعْد مِنْ زُجَاج تَحْتَها رِمَالٌ مُتَحَرِكَة
والطَاوِلاتُ كَأسِنّةٍ من حِرَابٍ

وتَلامِذَةٌ أنهكهم السَير
عَيونهم على أخِرِ الطَرِيق

تَحْمِلُ كُتُبَا من خَيَال
فحَتَّى كتب تَاريِخهم من كَذِبٍ وَوهْمٍ.

سوزان عون